0%
English
نبذة +

1930

1970

الانطلاق

تجارب الطفولة تشكّل مستقبل يسرية وأنسي في ريادة الأعمال والعمل الخيري

نشأت يسرية وأنسي ساويرس في منطقتين تبعدان 70 ميلاً فقط عن بعضهما البعض على الضفة الغربية لنهر النيل. وفي حين أن أخلاقيات العمل الراسخة التي تميّز بها أنسي وتحليه بروح المبادرة دفعته إلى تأسيس واحدة من كبريات مجموعات الشركات التجارية في المنطقة، سلكت يسرية طريقاً مغايراً كرست فيه نفسها لمساعدة الأشخاص الذين لا يحظون بالامتيازات التي تمتعت بها هي وعائلتها. وقد شكّلت القيم الأخلاقية التي غُرست بداخلهما منذ الصغر مبادئهما التي استمرت في التأثير على حياتهما وحياة الملايين من المستفيدين من الأعمال الخيرية للعائلة.

"كنتُ ولازلت شغوفة بالدراسة. يكتسي التثقف في المجالات التي يهتم بها المرء وينخرط في العمل بها أهمية قصوى فضلاً عن كيفية تحقيق النجاح فيها على أفضل وجه."

يسرية لوزا ساويرس

ولد أنسي ساويرس في 30 أغسطس 1930 في مدينة سوهاج المصرية المعروفة باسم ’عروس النيل‘ والواقعة على الضفة الغربية لهذا النهر العظيم. كانت عائلة ساويرس، وهي عائلة مسيحية من الأقباط الأرثوذكس، تمتلك مزرعة بمساحة 52 فداناً، وقد أوكلت إلى أنسي، الذي كان الأصغر بين الأخوة الأربعة، مهمة الإشراف عليها بعد أن قرر أخوته الثلاثة السير على خطى ولدهم نجيب في العمل في مجال القانون.

لم يفكر أنسى للحظة بالتنصل من هذه المسؤولية بل قبلها بكل حب وحماس، ما جعله يحقق نجاحاً باهراً في الحقول. فالتحق بجامعة القاهرة وتخرج منها بدرجة البكالوريوس في الهندسة الزراعية. وكان لبناء مبنى جديد على قطعة أرض تابعة للعائلة بعد عودة أنسي لإدارة المزرعة لمدة عامين عظيم الأثر في بث المزيد من الحماس والطموح بداخله. ولم يكن عمره يزيد عن 22 عاماً عندما أسس شركة الإنشاءات الخاصة به التي أطلق عليها اسم ’شركة أنسي ولمعي للمقاولات‘.

وقال السيد ساويرس قبل وفاته في عام 2021: "كانت مهمتي الأولى هي حفر الآبار الارتوازية في 18 منطقة مختلفة في صعيد مصر ... لقد شعرت وقتها بسعادة غامرة. فقد كانت نقطة تحوّل في حياتي ومنذ ذلك الحين أصبحت صناعة البناء والتشييد شغفي".

في ليلة رأس السنة في عام 1935، ولدت يسرية لوزا في منفلوط، وهي مدينة مصرية تبعد 70 ميلاً شمال سوهاج. كان والد يسرية محامياً يمارس مهنته من مكتبه القريب من منزل العائلة، وقد حظيت يسرية بطفولة تتسم بالراحة والرفاهية.

وعلى خلاف العديد من أبناء جيلها، حصلت يسرية أيضاً على تعليم جيد. وتماماً كما فعلت والدتها من قبلها، التحقت يسرية بالكلية الأمريكية للبنات في القاهرة، التي أسستها الكنيسة المشيخية المتحدة في أمريكا الشمالية قبل نحو أربعة عقود. و في الكلمة التي ألقاها أمام الطالبات والمعلمين والمعلمات وأولياء الأمور في حفل افتتاح المدرسة عام 1910 قال رئيس الولايات المتحدة آنذاك تيودور روزفلت: "لا أعتقد أن باستطاعة أي أمة الارتقاء إلى مكانة عظيمة ما لم تكن نساؤها مؤهلات للقيام بدورهن والتمتع بالكرامة على قدم المساواة مع الرجال".

وعلى الرغم من أن روزفلت قد قام بهذه الزيارة قبل بضع سنوات من التحاق يسرية بالمدرسة التي أصبحت تُعرف اليوم باسم كلية رمسيس، إلا أن هذه المشاعر والأفكار شكلت جزءاً مهماً من حياتها وعملها الخيري والاجتماعي المستقبلي.

وفي هذه المدرسة أيضاً التقت يسرية بقريبتها، سوزي جريس، التي جمعتها بها صداقة قوية وعلاقة عمل متينة.

وعن علاقتهما تقول جريس التي تسكن في مدينة القاهرة: "كانت والدتي ووالدتها بنات عمومة من الدرجة الأولى ولذلك كنت أعرفها منذ أيام المدرسة" وتضيف بالقول: "يسرية شخص كريم ومعطاء. يميل بعض الناس بطبيعتهم إلى عمل الخير ومساعدة الأخرين. وعندما يرون شخصاً محتاجاً وهم يملكون الكثير من الموارد، فإنهم لا يترددون في العطاء. وهذا ما فعلته يسرية بالضبط. لقد سخرت الكثير من مواردها من أجل تحقيق الرفاه للآخرين".

أدى الانقلاب العسكري الذي حدث في عام 1952 إلى قيام الثورة المصرية التي ألغت النظام الملكي الحاكم آنذاك. كما سرع مغادرة العسكريين البريطانيين المتبقين من قواعده في قناة السويس.

تزوج أنسي ويسرية عام 1953 عندما كانت مصر في طريقها لتصبح جمهورية. كانت يسرية تبلغ من العمر آنذاك 17 عاماً ولم تكن قد أنهت تعليمها الثانوي بعد. غير أن مصر بحلتها الجديدة بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر جلبت معها أملاً جديداً للمصريين، لا سيما النساء. فقد أدت التغييرات في الدستور إلى منح المرأة حق التصويت وسعت إلى حظر التمييز بين الجنسين وتوفير فرص متكافئة في التعليم والعمل.

وبعد ذلك بوقت قصير بدأت يسرية في استغلال الفرص الجديدة التي أتيحت أمامها. كما دعمت النهضة الصناعية الجديدة والإصلاح الزراعي طموحات أنسي في مجال الأعمال وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، أصبحت شركة أنسي ولمعي واحدة من أكبر شركات المقاولات العامة في مصر.

ورزق أنسي ويسرية بثلاثة أطفال. ولد نجيب في عام 1954 ومن ثم سميح في عام 1957. ولكن عندما ولد ناصف في عام 1961 كانت مصر تمر من جديد بفترة اضطرابات. فقد أجرى الرئيس عبد الناصر موجة من الإصلاحات الاشتراكية في جميع أنحاء مصر أدت إلى تأميم العديد من الشركات الرائدة في البلاد. وقد شملت خطة التأميم هذه شركة أنسي ولمعي وتحولت وقتها إلى شركة النصر للأعمال المدنية.

دفع تغير مناخ الأعمال في البلاد أنسي إلى استكشاف آفاق جديد خارج البلاد، وسرعان ما وجد بيئة أكثر خصوبة لطموحاته في ليبيا الغنية بالنفط. فانتقل أنسي إلى ليبيا وبقي فيها 12 عاماً، بينما ظلت يسرية وأولادهما الثلاثة في مصر. 

وتتحدث سوزي عن تلك الفترة من حياة يسرية فتقول: "تزوجت يسرية في سن مبكرة. وبعد أن اضطر زوجها إلى الانتقال للعمل في ليبيا لأن الشركة العائلية كانت قيد الاحتجاز خلال السنوات الأولى للثورة، بقيت يسرية في مصر وقامت بكل ما في وسعها لتربية أطفالهما ومنحهم أفضل تعليم ممكن. كما أكملت هي أيضاً تعليمها الجامعي بعد أن تزوجت".

وعلى الرغم من أن يسرية اتخذت على عاتقها مهمة تربية أبنائها الثلاثة بمفردها إلى حد كبير، إلا أنها لم تفوت الفرص الجديدة التي أتيحت لها. وتتذكر تلك الفترة فتقول: "تمكنت لاحقاً من العمل وحصلت على شهادة الجي سي إي من المجلس الثقافي البريطاني في القاهرة. ثم التحقت بعد ذلك بكلية التجارة بجامعة القاهرة وتخرجت منها عام 1969".

 

سياسات جديدة

دستور ينص على حقوق المرأة

بعد انتخاب جمال عبد الناصر رسمياً رئيساً لجمهورية مصر العربية في يونيو 1956 شرع الرئيس الجديد في تنفيذ سلسلة من السياسات الاشتراكية الرامية لتحديث مصر. وتناول عدد من إصلاحاته قضية المساواة بين الجنسين، إذ كان يدرك جيداً الفوائد الاقتصادية التي ستجنيها البلاد من إلحاق المزيد من النساء في القوى العاملة في القطاع العام. كما نص الدستور المصري الجديد على تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء وحظر التمييز بين الجنسين ومنح النساء حق التصويت للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

نص الميثاق الوطني لعام 1962 الذي قدمه عبد الناصر على ضرورة "تحرير المرأة من جميع الحواجز الاجتماعية"، وفي هذا العام أصبحت حكمت أبو زيد أول وزيرة في مصر. وبحلول أوائل الستينيات كانت نسبة الطالبات في مصر مساوية لنسبة الطلاب في العديد من الكليات الجامعية.