0%
English
نبذة +

1960

1974

هويات فلسطينية

هويات فلسطينية

انتقل آل القطّان إلى مدينة بيروت، حيث ساعدت ليلى القطّان في تأسيس منظمة «إنعاش» عام ١٩٦٩، وهي منظمة غير حكومية تدعم النساء الفلسطينيات وتصون تراثهن، كما دعم القطّان إطلاق «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» بهدف زيادة الوعي حول قضية فلسطين. وظلت التوترات السياسية مرتفعة، وتركت حرب الأيام الستة في أعقابها إرثاً من الاحتلال العسكري في كل من القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

"كانت والدتي تتمتع بتقدير مذهل لكل من الثقافة، والفن، والموسيقى، والأدب"

نجوى القطّان

عندما انتقلت ليلى إلى بيروت في عام ١٩٦٣، أصبحت منخرطة بعمق في منظمة «إنعاش»، وهي جمعية غير حكومية أُنشئت للحفاظ على تقاليد التطريز الفلسطيني وتوفير دخل للنساء اللاجئات في مخيمات المنطقة.

وبعد أكثر من خمسة عقود، فإن منظمة «إنعاش» (جمعية تطوير المخيمات الفلسطينية) مازالت قائمة حتى يومنا هذا، ولقد استفادت منها أكثر من ٨,٠٠٠ امرأة سواء من الناحية المالية أو من خلال الشعور بالترابط المجتمعي والانتماء، كما لعبت دوراً رئيسياً في صون الثقافة والتراث الفلسطيني.

وتستحضر نجوى: " كانت والدتي تتمتع بتقدير مذهل لكل من الثقافة، والفن، والموسيقى، والأدب. وبينما كان والدي رجلاً ذا أفكار، ومركّزاً على السياسة والاقتصاد والمجتمع، فإن والدتي كانت تُقدّر العالم لجماله، وبجميع أشكاله. ولقد مرت بطفولة صعبة للغاية، إذ نشأت في فقر، وفقدت والدتها في سن مبكرة جداً، ولذلك أعتقد بطريقة ما أن هذا التقدير للجمال هو ما أنقذها".

وتقول نجوى إن اهتمام والدتها بالفن والثقافة قد أثّر بشكل كبير على الأعمال الخيرية لكل من والديها: "إنها كانت تُقدّر الحاجة إلى التعليم، ولكنها كانت تفهم أيضاً أنه ليس هناك حاجة لكل فلسطيني لأن يصبح مهندساً. وأنه ليس من الجيد أن يكون لدينا أمة من التكنوقراطيين بدون أي إنسانية، وكان هذا التفكير هو جزءاً لا يتجزأ من رؤية المؤسسة التي أنشأوها لاحقاً."

وكان الإحساس بضرورة رد العطاء هو وجدان دائم الحضور في بيت آل القطّان. وكان كل من عبد المحسن وليلى، وكلاهما ينحدران من أسر كبيرة تشتتت عبر المنطقة بعد النكبة، كريميْن للغاية في دعمهما للآخرين.

وتحمل نجوى ذكريات حميمة عن وجبات الغداء أيام الجمعة مع والدها عندما كانت في المدرسة الثانوية، (وهذا "قبل أن تمزقنا الحرب الأهلية اللبنانية")؛ وتقول نجوى أنها كانت تحظى—بصفتها الأخت الكبرى—بفرصة نادرة لقضاء وقت فردي مع القطّان حينما كانت والدتها "تخرج للقيام بأعمال خيرية".

وتستحضر إعجابه بالمؤسسة الغربية للأعمال الخيرية وبإحساسها القوي بالمسؤولية الاجتماعية تجاه رد العطاء، ولكنها تستحضر أيضاً شعوره بالذنب لكونه ثرياً كشخص فلسطيني.

وتقول: "كان هناك هذا الشعور الدائم بالذنب لكوننا فلسطينيين وأثرياء بينما الكثير من الفلسطينيين لم يكونوا أثرياء وكانوا لاجئين يعيشون في مخيمات. ولم يكن هناك شعور بالذنب بشأن المال نفسه، فوالدي كان دائماً يفخر بالكيفية التي جني بها أمواله من خلال أعمال المقاولات؛ ولكن كفلسطينيين، فإنه لم يُسمح لنا أبداً أن ننسى كم كنا محظوظين".

وتتذكر نجوى كيف كان والدها يتحسّر خلال محادثاتهم أثناء وجبات الغداء على أن الفلسطينيين الأثرياء الآخرين لم يكونوا يركزون على رد العطاء بنفس الدرجة؛ وأنه لو تمكنوا فقط من تجميع مواردهم، لكان بإمكانهم أن يُحدثوا أثراً بالفعل—وهي فكرة سوف تتجسد بعد أكثر من عقد من الزمان مع تأسيس «مؤسسة التعاون» أو «تعاون» (أنظر أدناه).

ومع وصفها لوالديها بأنهما يتمتعان بـ "كرم لا حدود له"، فإن نجوى تضيف: "لا أظن أنني رأيتهما يقولان لا لأي شخص يتقدم بطلب المال، حتى لو ربما كان ذلك الشخص بصراحة لم يستحق طلبه".

فلسطينيون في نهر البارد، مخيم لاجئين أُنشئ في لبنان عام 1952. المصدر: س. مادفر، أرشيف صور الأونروا / أسوشيتد برس

نهر البارد، حوالي عام 1960 © الأونروا

ومليئاً بهذا الإحساس القوي بالمسؤولية كفلسطيني ثري، فإن القطّان قد واصل في دعم الطلاب الفلسطينيين بالداخل والخارج، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات التعليمية والبحثية بما في ذلك مركز دراسات الوحدة العربية، ومؤسسة أحمد بهاء الدين في مصر، وجامعة بيرزيت، والمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، وذلك من بين العديد من المؤسسات الأخرى.

وبعد ذلك، في محاولة لتعزيز الهوية الفلسطينية، فلقد شارك في تأسيس «مؤسسة الدراسات الفلسطينية». وبصفتها مؤسسة بحثية غير ربحية، فإن مؤسسة الدراسات الفلسطينية كانت—ولا تزال—مستقلة وبدون أي انتساب لمنظمة سياسية أو جهة حكومية. وكذلك بصفتها الأولى من نوعها في العالم العربي، فإن مؤسسة الدراسات الفلسطينية قد لعبت دوراً هاماً في زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

كما شغل القطّان منصب محافظ فلسطين في الصندوق العربي للإنماء الاجتماعي والاقتصادي؛ وأصبح عضواً في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت؛ وكان له انخراط قصير في عالم السياسة، وذلك كداعم لمنظمة التحرير الفلسطينية في مهدها، وكمرافق لمؤسسها—أحمد الشقيري—إلى دولة الصين في عام ١٩٦٤.

وكان ذاك الوقت حافلاً بالتوتر والعنف المتصاعد عبر جميع مناحي الإقليم، مما أدى إلى اندلاع العديد من الصراعات بما في ذلك حرب الأيام الستة، التي دارت في يونيو ١٩٦٧ بين إسرائيل وتحالف من الدول العربية قد شمل مصر وسوريا والأردن، والتي تركت في أعقابها إرثاً من الاحتلال العسكري في كل من القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي عام ١٩٦٩، خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي عُقد في القاهرة، تم انتخاب القطّان كـ «رئيساً» للمجلس، ولكنه استقال بعد أيام قليلة فقط، وذلك بعد أن رفضت الفصائل المختلفة داخل منظمة التحرير الفلسطينية أن توافق على قيادة موحدة للأصول المالية والعسكرية للمنظمة.

وكانت هذه هي نهاية المسيرة السياسية الرسمية للقطّان، مع أنه ظل عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني حتى استقالته عام ١٩٩٠ مع أصدقائه وزملائه المثقفين الفلسطينيين—إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد—احتجاجاً على دعم منظمة التحرير الفلسطينية لغزو صدام حسين لدولة الكويت.