0%
English
نبذة +

1993

2000

مؤسسة جديدة

مؤسسة جديدة

إن التوقيع على اتفاقيات أوسلو قد بدأ فصلاً جديداً في فلسطين، وهذا بالرغم من التحفظات الواسعة حولها؛ وبالتالي، بدأ ذلك في فتح باباً أمام الممولين الدوليين لدعم مشاريع التنمية فيها. وقرر القطّان، الذي كان بالفعل داعماً رئيسياً لمؤسسة «التعاون»، أن ينشئ فضلاً عنها «مؤسسة عبد المحسن القطّان» كأداة رسمية لتركيز أعمال أسرته الخيرية في دعم الثقافة والتعليم بموطنه.

"لطالما كانت المؤسسة—ولا تزال اليوم—ذات بصيرة تقدمية للغاية، وهذا مع تركيز واضح على الجيل القادم."

زياد خلف

مع تزايد شعوره بالإحباط من حدود العمل السياسي، فإن القطّان قد بحث عن مسار مختلف لمحاولة تقديم دعم دائم للمعاناة الفلسطينية. وكان يؤمن بإن التغيير الحقيقي لن يأتي من مناورات سياسية عابرة، بل من خلال استثمارات استراتيجية وصبورة في التعليم والثقافة، وذلك باعتبارهما أسس المجتمع القوي.

وبهذه الرؤية، في عام ١٩٩٣، قام القطّان وزوجته ليلى بتأسيس «مؤسسة عبد المحسن القطان» في مدينة لندن، حيث كانا يعيشان حينذاك.

وكتب القطّان على الموقع الإلكتروني للمؤسسة الجديدة: "إننا نتمسك بإيماننا بأن فلسطين هي جزء لا يتجزأ من التراث الفكري الغني الذي نسميه الثقافة العربية، وأنه من أجل تكريم نشطائها وتضحياتهم، فإن فلسطين يجب أن تكون كياناً حياً نابضاً، ومنخرطاً بشكل كامل في المشهد الثقافي العالمي".

وبالنسبة له، فإن مفتاح هذه الرؤية كان يَكمُن في الجيل القادم. وأوضح قائلاً: "إننا نؤمن أن الاستثمار في أطفال فلسطين والعالم العربي هو السبيل الأكثر فعالية لتحقيق هذه الأهداف". ومع نمو المؤسسة، توسعت مهمتها أيضاً. ويضيف: "بمرور الوقت، أصبح من الواضح أن هناك حاجة إلى منظمة مستقلة واحترافية—واحدة ذات منهجية واضحة لتطوير مشاريع رائدة في مجالي الثقافة والتعليم، وضمان استمراريتها".

ولم يكن الأمر مجرد مسعي خيري، بل كان التزام حقيقي برعاية مستقبل حيثما تزدهر فيه الهوية الفلسطينية من خلال المعرفة والإبداع والتبادل الثقافي.

وقد جاءت هذه المبادرة في وقت كانت فيه هشاشة سياسية وثقافية واجتماعية كبيرة في فلسطين، بما في ذلك ضعف النظام التعليمي، والانقسامات الأيديولوجية العميقة ما بين رؤى مختلفة للمجتمع وللدولة، وجيل منهك بعقود من العنف وانعدام الأمن.

ويشرح عمر القطان، ابنه الأصغر، وهو القوة الدافعة من وراء تركيز المؤسسة الجديدة على الثقافة، الذي أمضي بالفعل عدة سنوات في صنع أفلام ناجحة عن فلسطين والشرق الأوسط: "لذلك، كنا منشغلين منذ البداية بمحاولة تشكيل جيل جديد والتأثير عليه، بدءاً من الأطفال والشباب."

بصفته المدير التنفيذي المؤسس لمؤسسة عبد المحسن القطّان، فإن زياد خلف يتذكر جيداً جلسات العصف الذهني الأولى مع أشخاص من داخل فلسطين ومن الشتات الفلسطيني.

ويستحضر بأن "هذه النقاشات قادتنا إلى اتخاذ قرار واضح بالتركيز على الثقافة والفنون والتعليم، واستهداف الشباب، والتطوير المهني للمعلمين والمربين. ولطالما كانت المؤسسة—ولا تزال اليوم—ذات بصيرة تقدمية جداً، وهذا مع تركيز واضح على الجيل القادم".

كما يستحضر خلف أن الأيام الأولى للمؤسسة لم تكن سهلة، قائلاً: "كان مسؤولي السلطة ينظرون إلينا بدرجة من الريبة. وهذا لأنهم كانوا على علم بالقطّان ومشاركته السابقة في منظمة التحرير الفلسطينية، وتلقينا الكثير من المكالمات تطلب منا توظيف فلان أو علان...".

ويضيف: "لكن بدعم من القطّان، فإننا قد تمسكنا بموقفنا ولم نرضخ لهذه المطالب. وكان القطّان واضحاً منذ البداية بشأن هذا الأمر، مما مد إلى الجميع الشعور بالقوة، وفي غضون أشهر قليلة توقفنا عن تلقي المكالمات".

ويستحضر خلف أنه سأل القطّان ذات يوم عن منبع نجاحه، ويحكي كيف أخرج له ورقة صغيرة من جيبه وأوضح أنها قائمة مهامه اليومية: "أخبرني أنه كان ينام وبجانبه هذه الورقة، وإذا استيقظ في الليل وتذكر شيئاً ما، فإنه كان يضيفه إلى القائمة ويتأكد من تنفيذه في اليوم التالي".

ومع ذلك، لم يكن من السهل دائماً العمل مع القطّان. ويستحضر خلف أنه كان يثور أحياناً في الاجتماعات لأنه "لم يكن يطيق الأجوبة الغامضة. وأنه كان شخصاً متطلباً بلا شك؛ متطلباً مع نفسه ومع الآخرين لأنه أراد الأفضل دائماً".

ويعلق: "تعلمت مع مرور الوقت أن التعامل معه يتطلب السخاء في المعلومات والحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة؛ وإذا فعلت ذلك، فإنه دائماً ما يستجيب ويعطيك أجوبة أو دعماً على الفور، وهذه ميزة نادرة ورائعة".

على مدار عام 2017، نظّم برنامج تطوير التعليم في مؤسسة القطان عشرات الورش حول كتابة النصوص المسرحية واستخدام الرسوم المتحركة في التعليم. جمعت هذه الورش معلمين ومعلمات من مختلف أنحاء فلسطين، بما في ذلك قطاع غزة عبر مؤتمرات الفيديو.

مع نمو مؤسسة عبد المحسن القطّان، وتطويرها لبرامج ومبادرات عديدة داعمة للفنانين والمبدعين والشباب والمعلمين—والمجتمعات المحلية التي يعيشون فيها—فإنها قد فلحت أيضاً في جلب تمويلاً جديداً من مجموعة متراوحة من الشركاء المانحين.

ولكن، برغم هذا التوسع السريع، ظل تركيز المؤسسة ثابتاً على القيم الأساسية. وينوه خلف: "كان هناك دائماً الكثير من المراجعات والتأمل. وكنا حريصين للغاية على قياس أثرنا، وظللنا مستعدين لتغيير التوجه أو السرعة إذا لزم الأمر، وهو ما فعلناه في بعض الأحيان".

ويقول خلف إن المؤسسة شرعت بهدف خلق نموذج جديد للأثر الاجتماعي. ويشرح قائلاً: "لطالما ازدريت النهج السطحية والسريعة التي غالباً ما تراها في مجال التنمية الدولية، وخاصة في ظروف الحرب والعنف كما هو الحال في فلسطين".

ويقول إن العمل في فلسطين يتطلب "عملاً دؤوباً ومستمراً، مع مقدار رحب من الرأفة والتعاطف"، وهما شيئان قد شعر بهما دائماً من آل القطّان. وبالرغم من التأثير القوي والأكيد للزوجين على عمل المؤسسة، إلا أن أولوياتها ظلت سارية على جذور ممتدة من المجتمعات المحلية التي كانت تسعى لخدمتها. ويقول خلف: "لقد كانت المؤسسة دائماً تعمل من القاعدة إلى القمة، وكان ذلك قراراً استراتيجياً مهماً تم اتخاذه منذ البداية".

محمود أبو هشهش هو مدير الثقافة والتعليم في مؤسسة عبد المحسن القطّان. وبالإضافة لكونه في حد ذاته شاعراً فلسطينياً معروفاً، فإنه قد عمل في المؤسسة منذ انطلاقتها، وشاهد تطورها على مر العقود.

ويقول: "عندما بدأنا، كان الخطاب الثقافي شيئاً مختلفاً بالفعل. وكانت المؤسسة رائدة بالفعل في ذلك، ولا تزال تلعب دوراً كبيراً في تشجيع المؤسسات الأخرى في هذا المجال".

ومتذكراً للبرامج المبكرة، فإن أبو هشهش يقول: "بدأنا بشكل خفيف جداً، وكنا متواضعين للغاية. وأرادنا القطّان أن نمضي خطوة بخطوة. وكان مقدار ميزانية البرنامج الذي انضممت إليه حوالي ٨٠ ألف دولار، ولكن انتهى المطاف بنمو مقدار الميزانية إلى أكثر من ٢ مليون دولار".

ويستحضر أبو هشهش مزيج الفرص والصعوبات المتعلقة بالعمل في فلسطين من بعد اتفاقيات أوسلو. ويشرح قائلاً: "كان هنالك هذا التهديد القائم بشدة نحو كامل الهوية الفلسطينية، والتي كانت منظمات مثل منظمة التحرير الفلسطينية قد عملت جاهدة لبنائها من بعد النكبة".

ويقول إن هذا الأمر قد أدى بالمؤسسة إلى فتح أبوابها بشكل متعمد للغاية تجاه كافة الفلسطينيين من أينما جاءوا، أي "من أولئك الذين كان لديهم جد أو جدة فلسطينيين واحد فقط، إلى أولئك الذين يعيشون في فلسطين مع كامل أسرهم". ويضيف: "كان من المهم جداً بالنسبة لنا ألا نخضع للتفتيت الذي فرضته اتفاقيات أوسلو. وكان القطّان واضحاً بشأن ذلك".

عبد المحسن القطان يلقي كلمة بعد منحه درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة، عام 1999. تبرع بتكلفة بناء قاعة كمال ناصر / جامعة بيرزيت

بالقرب من البوابة الجنوبية لجامعة بيرزيت، وفي قلب الحرم الجامعي تقريبًا، تقع قاعة كمال ناصر، وهي من أكبر القاعات في الجامعة. تُستخدم القاعة للتدريس والأنشطة العامة على مستوى الجامعة، وقد سُمّيت بهذا الاسم تكريمًا للشاعر والمفكر المعروف، تقديرًا لحياته التي كرسها لفلسطين والقضية الفلسطينية. / جامعة بيرزيت

على الرغم من أنها كانت شخصية عامة أقل ظهوراً من زوجها، إلا أن زوجة القطّان—ليلى—كانت قوة رئيسية في المؤسسة وحضوراً هادئاً ومهماً في اجتماعات مجلس الإدارة.

ويتذكر خلف أنه قدم عرضاً لمجلس الإدارة ذات مرة، وحدثته ليلى من بعدها قائلة له "كن متواضعاً". ويقول: "أعتقد أنني ربما كنت متحمساً فوق المعقول في ذلك اليوم أثناء تقديمي للعرض، ولكن كلماتها أثرت فيَّ بالفعل وما زال صداها يتردد في ذهني حتى اليوم".

كما يستحضر مدى اهتمام ليلى بالآخرين، وكيف أنها لم تكن تنسى اسماً أو أن تقدم للزائر وجبته المفضلة.

وفي عام ١٩٩٨، تم تأسيس فرع لمؤسسة عبد المحسن القطّان في فلسطين؛ وبعد عام واحد قام القطّان، الذي كان في السبعينات من عمره آنذاك، بأول زيارة له إلى البلاد منذ أن أُرغمت أسرته على الفرار عام ١٩٤٨.

ومن ناحية، كانت الرحلة لأجل لقاء موظفي المؤسسة والاطلاع على أعمالهم شخصياً، ولكنها كانت أيضاً لأجل استلام درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة بيرزيت، وهي أرقى مؤسسة للتعليم العالي في فلسطين.

وكانت مراسم الحفل، التي أُقيمت في قاعة كمال ناصر، والتي موّل القطّان إنشاؤها تخليداً لذكرى صديقه—الشاعر المشهور الذي اغتيل على يد القوات الخاصة الإسرائيلية في عام ١٩٧٢—بحضور هيئة التدريس والأصدقاء والأعيان. وقام الدكتور حنا ناصر، رئيس جامعة بيرزيت حينها، وهو شخصية أكاديمية وسياسية مرموقة، بتسليط الضوء على إسهامات القطّان الكبيرة نحو المجتمع والتعليم الفلسطيني.

وبالرغم من كثرة الفعاليات الرسمية وشبه الرسمية خلال هذه الرحلة الأولى، فإن ابنه عمر الذي رافقه يستحضر أن الجزء الأكثر تأثيراً كان هو الذهاب لزيارة منزل الطفولة في حي الجبلية بمدينة يافا، والذي لا يزال قائماً حتى اليوم.

ويتذكر عمر قائلاً: "رغم خمسين عاماً من المنفى، إلا أنه تمكن من اكتشافه على الفور. وقد كان متأثراً بشكل واضح لكنه لم يقل الكثير، وكان يحدق في صمت. وبعد فترة، التفت إلينا وحكى قصة لطيفة عن المسجد الصغير الذي كان يقف في الجوار، والذي أصبح اليوم كنيساً ".

وقال: "كانت طموحات جدك النهائية بالنسبة لي هي أن أعود متخرجاً من المدرسة الثانوية لأصبح إمام هذا المسجد الصغير، ولكنه توفي بعد فترة وجيزة من ذهابي إلى الثانوية في مدينة القدس. وما زلت أذكر بوضوح اليوم الذي استدعوني فيه لرؤيته للمرة الأخيرة. وثم، بالطبع، أخذ تاريخ حياتنا العديد من المنعطفات المروعة التي أخذها".

الرياضة من أجل التنمية

هاني القطان يواصل تقليد العائلة في العمل الخيري

عندما صعد هاني القطّان والذي كان يبلغ من العمر ١٦ عاماً آنذاك وكان مولعاً برياضة كرة القدم، على متن طائرة مغادرة من بيروت في صيف عام ١٩٧٤ متجهاً إلى مدرسة داخلية في المملكة المتحدة، قام بقطع وعد لنفسه بأنه مهما حدث فسوف يعود يوماً ما إلى موطن طفولته ليقدم فرصاً رياضية للشباب الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان.

وبعد ثلاثة عقود، عاد هاني إلى مدينة بيروت لتأسيس «جمعية فلسطين لتشجيع الأطفال على الرياضة» — (PACES). وبتسجيلها كمؤسسة خيرية في المملكة المتحدة، فإن الجمعية توفر برامج رياضية للفتيات والفتيان الفلسطينيين في المناطق المهمشة بكل من فلسطين والأردن ولبنان.

ومنذ تشكيلها في عام ٢٠٠٦، فلقد أثرت هذه المنظمة غير الحكومية على حياة أكثر من ٦٥,٠٠٠ شخص شاب، وعملت مع أكثر من ٢٠٠ نادٍ رياضي وأكثر من ٢,٠٠٠ مدرب. والجدير بالذكر هو أن عدداً من خريجيها قد ذهبوا فيما بعد للعب في المنتخبات الوطنية.

وبالإضافة إلى التدريب على كرة القدم وكرة السلة، فإن الجمعية تقدم أيضاً دروساً بعد المدرسة، ومهارات حياتية، وجلسات بناء القدرات.

ويوضح هاني: "إننا لا نُعلّمهم فقط ركل أو رمي الكرة، بل يتعلق الأمر بتعليمهم قيم العمل الجماعي والالتزام، وأهمية الحياة الصحية. وبما أن جميع مدربينا هم أشخاص محليون، لذا فإنهم مرتبطون بالمجتمع؛ وندربهم أيضاً على عدم رفع الصوت، ووضع مثال جيد بسلوكهم، وأن يصبحوا قدوات يحتذى بها".

كما تشجع الجمعية أولياء الأمور على حضور جلسات التدريب. ويقول هاني: "عندما يرى الآباء بناتهم يلعبن كرة القدم، فإن ذلك يمنحهم قوة كبيرة، ويصبحون أكثر اهتماماً بنجاحهن".

وعلى الرغم من أن الجمعية تتلقى الآن دعماً من مجموعة جهات مانحة إقليمية ودولية، ولديها شراكات مع مجموعة من المنظمات غير الحكومية، إلا أن هاني كان قد اشترط عند بداياتها أن يكون أقصي قسط للتبرع هو ٥,٠٠٠ دولار أمريكي. ويوضح هاني: "أردت أن يشعر الجميع بأنهم أصحاب مصلحة متساوون في المنظمة، وكان ذلك مهماً جداً بالنسبة لي".

ويقول إن الأمر قد استغرق بعض الوقت لإقناع الجهات المانحة المحلية بدعم التنمية الرياضية، وهذا لوجود احتياجات ماسة في مجالات أخرى، ولكنه سرعان ما استطاع من كسبهم لصالحه، كما يقول إنه قد جمع حتى اليوم ما هو أكثر من ٦٥ مليون دولار أمريكي.

وينوه هاني: "إن الجمعية تلعب دوراً صغيراً في ضمان أن ينظر العالم إلى الفلسطينيين من خلال منظور إنساني إيجابي، ويتم هذا عبر التواصل مع العديد من المنظمات العربية والدولية والأفراد الذين أصبحوا الآن جزءاً من شراكتنا. وإن الجمعية تقف شامخة في وجه كل الجهود والمحاولات لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. وإن وجودنا، ونجاحاتنا، في ظل ظروف صعبة يلسن كثيراً عن فلسطين وشعبها".