0%
English
نبذة +

1975

1992

ردّ الجميل

ردّ الجميل

بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام ١٩٧٥، عادت الأسرة إلى التنقل، ولكن محنة فلسطين ظلّت حاضرة في مقدمة وصميم عقل القطّان؛ ومع نخبة من المثقفين ورجال الأعمال الفلسطينيين، فإنه قد أنشأ «مؤسسة تعاون» في محاولة لإيجاد طرق جديدة لدعم الفلسطينيين داخل وخارج الوطن.

"كانت لديه هذه الفكرة الرائعة لتجميع الموارد ولإنشاء نموذج جديد من شأنه أيضاً أن يُعيد التأكيد على الهوية الفلسطينية"

نجوى القطّان

بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام ١٩٧٥، عاد عبد المحسن وليلى إلى دولة الكويت، بينما أُرسلت ابنتاهما لينا ونجوى للدراسة في سويسرا والولايات المتحدة، وابنيهما هاني وعمر إلى مدرسة داخلية في إنجلترا.

وعلى الرغم من ابتعاد القطّان لفترة مديدة عن وطنه، إلا أنه بقي ملتزماً بمساعدة الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة، وساعياً لسد الفجوات التي خلّفتها عقود من التهجير والتدخلات الدولية غير الفعالة.

وفي عام ١٩٨٣، في أعقاب الغزو الإسرائيلي الكارثي للبنان، اجتمع كل من القطّان ونخبة من المثقفين الفلسطينيين وشخصيات الشتات الفلسطيني البارزة في مدينة جنيف. وقد بلغ الغزو ذروته في مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث قُتل أكثر من ٢,٠٠٠ مدني فلسطيني بوحشية على يد رجال الميليشيات اللبنانية اليمينية تحت أعين الجيش الإسرائيلي. وكان إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد من بين الحاضرين في اجتماع التأسيس، وهما من أصدقاء القطّان المقربين.

ومع تدمير منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، سعت هذه المجموعة إلى إيجاد طرق جديدة للاستفادة القصوى من مواردهم المالية، والتقنية، والأكاديمية، والخيرية. وكان هدفهم هو إيجاد أكثر الطرق فعالية لدعم وطنهم ومساعدة اللاجئين العالقين في مخيمات اللاجئين بالدول المجاورة مثل لبنان.

ومن هذا الاجتماع وُلدت «مؤسسة التعاون» (تعاون)، وهي منظمة فلسطينية غير حكومية مكرسة لدعم الفلسطينيين في داخل الموطن وخارجه، وتحسين ظروفهم المعيشية اليومية، وذلك من خلال برامج تشمل التعليم، والصحة، وتنمية المجتمع، والإغاثة الطارئة.

وتستحضر لينا القطّان: "كوننا فلسطينيين كان جزءاً من كل حديث، وكان التعليم مهماً جداً لوالديَّ؛ وكان هذا الأمر مغروساً فينا منذ صغرنا".

وفي طفولته، شهد هاني القطّان كرم والديه والتزامهما بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر. ويقول: "نشأنا في منزل يؤمن فعلاً بالعمل الخيري. وتم تغذيتنا ذلك. كما تم تعليمنا ذلك. وكان بإمكاني أن أرى الفخر الذي منحه العطاء لوالديَّ، ومنذ وقت مبكر جداً كانت طموحات والدي في النجاح مرتبطة بشكل وثيق بقدرته على توليد ثروة لمساعدة الفلسطينيين الآخرين."

ويفصح هاني أن عطاء والده كان مزيجاً ما بين الدافع الشخصي والمؤسسي، ولم يطلب أي شيء في المقابل، باستثناء أنه إذا نجح ذاك الشخص الذي ساعده، فإن عليه حينها أن يتذكر كيف بدأ وأن يجد طُرقاً لدعم الفلسطينيين الآخرين.

اجتماع مؤسسي مؤسسة التعاون في جنيف، عام 1983

ولقد أدار زياد خلف برنامج تنمية الموارد البشرية في مؤسسة «تعاون» لمدة أربع سنوات، وعمل كمدير البرامج بالإنابة، قبل أن يدعوه القطّان ليكون المدير التنفيذي المؤسس لمؤسسة عبد المحسن القطّان.

ويشرح خلف قائلاً: "كانت مؤسسة التعاون مختلفة تماماً عن أي شيء قد سبقها"، ويصفها بأنها "تَكمُن في الطليعة" بفضل تمويلها المشترك ونهجها التعاوني والمبتكر. ويضيف: "إنني أعتقد أن اختلاف «مؤسسة التعاون» كان بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني، أي بكونها قائمة تحت الاحتلال فإنه يجعل المؤسسة دائماً تخطو بحذر شديد، ولكن اختلافها كان أيضاً بسبب وجود تأثير قوي من شخصيات الشتات الفلسطيني اللذين تعرضوا لنماذج العطاء في الغرب".

ومن هذه البداية الرائدة، فإن مؤسسة «التعاون» قد دامت لتصبح اليوم أكبر منظمة غير ربحية في فلسطين، وقد قامت بتوزيع أكثر من ٦٦٠ مليون دولار أمريكي منذ تأسيسها. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، فإنها لا تزال "مكرّسة لتعزيز صمود الفلسطينيين، وتحسين ظروفهم المعيشية اليومية"، على الرغم من المعاناة والمآسي المتواصلة التي يعيشونها.

وقد كان هناك الكثير من هذه المعاناة والمآسي. وفي الواقع الفعلي، بعد فترة وجيزة من تشكيل مؤسسة «تعاون»، في عام ١٩٨٧، بدأت انتفاضة شعبية تلقائية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة كرد فعل لعقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وما هي معروفة الآن باسم الانتفاضة الأولى، فإن هذه السلسلة المواظبة من الاحتجاجات السلمية والعصيان المدني قد استمرت لمدة ست سنوات حتى توقيع اتفاقيات أوسلو في عام ١٩٩٣.